Selasa, 21 Desember 2010

Janji hancurnya Yahudi (tulisan arab)


-          Buku “ Zawalu Israel 2022 H Nubuah am Shudfun Raqamiyah karya Bassam Nahhad
-          Jarrar

قضى الله في التوراة أنّ بني إسرائيل سيدخلون الأرض المباركة، وسيقيمون فيها مجتمعاً (دولة)، ثم يفسدون إفساداً كبيراً تكون عقوبته أن الله يبعث عليهم عباداً أقوياء يجتاحون ديارهم . وسيتكرر إفسادهم، فيبعث اللهُ العباد مرةً أخرى، فيدمّرون ويهلكون كل ما يسيطرون عليه إهلاكاً وتدميراً، وإليك بيان ذلك :
بعد وفاة (موسى) عليه السلام دخل (يوشع بن نون) ببني إسرائيل الأرض المقدسة التي كتب اللهُ لهم أن يدخلوها: (( يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ )) [ سورة المائدة الآية 21 ] ، وبذلك تحقق الوعد لهم بالدّخول وبإقامة مجتمع إسرائيلي . وقد تمكن (داود) عليه السلام من فتح القدس، و إقامة مملكة. و من هنا نجد ( كتاب الملوك الأول ) فى (العهد القديم) يُستَهل بالحديث عن شيخوخة داود عليه السلام و موته. و مع أن (العهد القديم) قد نسب إلى داود عليه السلام ما لا يليق بمقامه، إلا أنه حكم له بالصلاح على خلاف ابنه و خليفته سليمان عليه السّلام . جاء فى الإصحاح الحادي عشر، من سفر الملوك الأول : (....فاستطعن فى زمن شيخوخته أن يغوين قلبه وراء آلهة أُخرى، فلم يكن قلبه مستقيما مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. و ما لبث أن عبد عشتاروت .... وارتكب الشّر فى عينى الرب، و لم يتبع سبيل الربّ بكمال كما كما فعل أبوه داود ). أقول: إننا نتفق مع كتبة العهد القديم على أنّ لداود عليه السلام ولد اسمه (سليمان)، و أنه كان حكيماً، و أنّه ملك بعد وفاة أبيه. و لكننا نخالفهم فى النظرة إليه عليه السلام، فهو كما جاء فى القرآن الكريم (( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)) [ سورة ص،الآية: 30] . من هنا نعتبر أنّ الفساد بدأ بعد وفاة سليمان عليه السّلام ، عندما إنقسمت دولة النبوّة إلى دولتين، متنازعتين، و انتشر الفساد، و شاعت الرزيلة. جاء فى مقدمة ( كتاب الملوك الأول ) : (... يبين كتاب الملوك الأول، بشكل خاص، تأثير المساوئ الإجتماعية المفجع على حياة الأمة الروحية) [ الكتاب المقدس - كتاب الحياة ترجمة تفسيرية - جى.سى.سنتر - مصر الجديدة- القاهرة- ط4-ص 434] توفى سليمان عليه السّلام عام (935 ق.م ) [ أخطاء يجب أن تصحح فى التاريخ، د. جمال مسعود، دار طيبة، الحجاز، ط1، 1986،ص 61 نقلاً عن كتاب سياسة الاستعمار و الصهيونية تجاه فلسطين، حسن صبري الخولى]، فحصل أن تمرد عشرة أسباط و نصبوا (يربعام بن ناباط) ملكاً على (مملكة إسرائيل) فى الشمال. و لم يبق تحت حكم (رحبعام بن سليمان) سوى سبط (يهوذا). و هكذا نشأت مملكة(إسرائيل) فى الشمال، و مملكة (يهوذا) فى الجنوب و عاصمتها القدس. و كان الفساد، فكان الجوس من قبل الأعداء الذين اجتاحوا المملكتين في موجات بدأها المصريّون، وتولى كبراها الأشوريون، و الكلدانيون، القادمون من جهة الفرات. جاء فى مقدمة (كتاب الملوك الثانى ): ( ففى سنة 722 ق.م هاجم الأشوريّون مملكة إسرائيل فى الشمال ودمّروها؛ و فى سنة سنة 586 ق.م زحف الجيش البابلى على مملكة يهوذا فى الجنوب و قضوا عليها ... ففى هذا الكتاب نرى كيف سخّر الله الأشوريّين و البابليين، لتنفيذ قضاؤه بشعبى مملكتا يهوذا و إسرائيل المنحرفين. يجب التنويه هنا أن الخطيئة تجلب الدّينونة على الأمّة أمّا البرّ فمدعاة لبركة الله. يكشف لنا كتاب الملوك الثاني أنّ الله لايُدين أحداً قبل إنذاره، وقد بعث بأنبيائه أولاً ليحذروا الأمّة من العقاب الإلَهى) [ كتاب الحياة، المرجع السابق، ص 478] .

يلحظ أنّ دولة إسرائيل الشمالية كانت تشمل معظم الشعب (عشرة أسباط ) و كانت هى سبب تمزّق دولة سليمان عليه السّلام ، وحصول الشّقاق في الشّعب الواحد، وقد زالت وشرّد شعبها قبل مملكة (يهوذا) بما يقارب (135) سنة. وبعد فناء الدولتين حاول الإسرائيليّون أن يعيدوا الأمجاد السابقة ففشلوا. أمّا نجاح بعض الثورات فلم يتعدّ الحصول على حكم ذاتي، أو مُلك تحت التاج الرّوماني، لذلك نجدُ كتب التاريخ تتواطأ على القول إنّ زوال مملكة يهوذا هو زوال الدولة الإسرائيليّة، فلم تولد مرة ثانية إلا عام (1948م) .
لماذا أنزلت النبوءة مرة أخرى بعد نزولها الأول في التوراة قبل الإسراء بما يقارب (1800) سنة؟ أقول: لو كانت النبوءة قد تحققت كاملة قبل الإسلام لوجدنا صعوبة فى فهم العلاقة. أمّا أن تكون المرة الأولى قد تحققت قبل الإسلام ــ وهذا ما حصل في الواقع ــ والثانية ستتحقق في مستقبل المسلمين، فإن الأمر يكون مفهوماً بشكل واضح، سيما وأننا نعيش في زمن تحقق الثانية (( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4)فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا )) [ سورة الإسراء] .
{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ }: وإسرائيل هو (يعقوب) عليه السّلام ، وفق ما ورد في القرآن الكريم [ آل عمران 93 ، مريم 58] . وأبناء إسرائيل هم الأسباط الاثنا عشر، وما توالد منهم. والقضاء هنا يخصّهم بصفتهم مجتمعاً، وهذا يستفاد من قوله تعالى: (( إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ )). (( فِي الْكِتَابِ )) : أي التوراة، ويؤكد هذا قوله تعالى في الآية الثانية: (( وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ )) . والمعروف أنّ التوراة نزلت لبني إسرائيل. وكان كلّ رسولٍ يبعث إلى قومه خاصّة وبعث محمد صلى الله عليه و سلم إلى النّاس كافّة .
(( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ )) : واضح أنّ الكلام هو إخبار بالمستقبل. وبما أنّ الكتاب هو التوراة، فالنبوءة تتحدث عن المستقبل بعد زمن التوراة وليس بعد نزول القرآن الكريم. وقد وردت النبوءة في القرآن الكريم بصيغة الاستقبال، كقوله تعالى حكاية على لسان ابن آدم مخاطباً أخاه: (( قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ )) .
(( فِي الْأَرْضِ )) : الإفساد في جزء من الأرض هو إفساد في الأرض. والفساد هو خروج الشيء عن وظيفته التي خُلق لها، وهو درجات، منه الصغير، ومنه الكبير: (( وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا )) : فهو إفساد عن علو وتجبّر. وقد يكون الفساد عن ضعف وذلّة. أمّا الفساد المنبّأ به فهو عن علو كبير. والعلو يفسّرهُ قول الله تعالى: (( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4))) [ سورة الققصص الأية: 4] فإفساد المجتمع الإسرائيلى سيكون عن علو، وإستكبار، وغطرسة، وإجرام. (( مَرَّتَيْن )) : هذا يؤكد أن الإفساد هو إفساد مجتمعى، وفى زمانٍ ومكان معيّنبن. أما الإفساد الفردى فهو يتكرر فى كل لحظة.
(( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا )) : فإذا حصل الإفساد من قبل المجتمع الإسرائيلي في الأرض المباركة، وتحققت النبوءة بحصول ذلك، عندها ستكون العقوبة.
(( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا )) : ذهب بعض المعاصرين إلى القول بأنّ العباد هم من المؤمنين، بدليل قوله تعالى: (( عِبَادًا لَنَا )) . وقد ألجأهم هذا إلى القول بأنّ المرة الأولى هي المرة التي تمّ فيها إخراج اليهود من المدينة المنوّرة في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم، ثم دخول عمر بن الخطاب القدس فاتحاً، وهذا بعيد عن ظاهر النص القرآني. ولا ضرورة لمثل هذا التأويل لأن: (( عِبَادًا لَنَا )) تحتمل المؤمنين وغير المؤمنين مع وجود القرائن الكثيرة التي تدلّ على أنهم من غير المؤمنين. وإليك توضيح ذلك :
1ــ لم يرد تعبير (( عِبَادًا لَنَا )) في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع فقط. وأهل اللغة من المفسرين القدماء لم يقولوا بأنّ (( عِبَادًا لَنَا )) تعني مؤمنين. بل ذهبوا إلى القول إنّهم من المجوس.
2ــ إذا صحّت اسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الجند، والتي أخرجها (ابن سعد) في (الطبقات)، فستكون دليلاً على فهم الصحابة للآية الكريمة. يقول رضي الله عنه: " ولا تقولوا إنّ عدونا شرّ منا فلن يُسَلّط علينا وإن أسأنا. فربّ قومٍ سُلّط عليهم شرٌ منهم، كما سُلّط على بني إسرائيل لمّا أتوا مساخط الله كفرة المجوس، فجاسوا خلال الدّيار وكان وعداً مفعولاً " .
لاحظ قوله رضي اللهُ عنه: " كفرة المجوس، فجاسوا خلال الدّيار " فهو يجزم أنّهم " كفرة "، وقد استشهد بالمرة الأولى، وهذا يوحي بأنّ المرة الثانية لم تحدث بعد، إذ كان الأولى أن يستشهد بالمرة الثانية، لأنها أقربُ في الزمان، وأدعى إلى الاعتبار.
3ــ نقرأ في القرآن الكريم: (( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِِ)) [ الزمر: 16]. (( تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) [ الزمر: 46]. (( نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا )) [ الشورى: 52]. (( إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ)) [ فاطر: 31]. (( أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ))
[ الفرقان: 17].
لاحظ الكلمات: ( عباده، عبادي، عبادك، عبادنا ) في الآيات السابقة والتي تؤكد أنّ المقصود عموم البشر.
4ــ التخصيص في قوله تعالى: (( عِبَادًا لَنَا )) يقصد به إبراز صفة قادمة وهي هنا: { أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}. فإذا قلت: ( ولدي ذكي ) فهمنا أنك تقصد الحديث عن ولدك. أمّا إذا قُلت: ( ولدٌ لي ذكيٌ ) فهمنا أنّك تقصد الحديث عن ذكاء ولدك بالدرجة الأولى.
5ــ ودليل آخر من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أخرج مسلم فى صحيحه فى كتاب الفتن، باب ذكر الدّجال، عند الحديث عن يأجوج و مأجوج " ... فبينما هو كذلك، إذ أوحى اللهُ إلى عيسى عليه السّلام : أنى قد أخرجتُ عباداً لى لا يدان لأحد بقتالهم " لاحظ : " عباداً لى " .
(( عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ )) : لا يتوهم أحد أنّ هذه الصفة لا تكون إلا فى المسلمين، فقد جاء فى سورة (الفتح) (( سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ )) [ سورة الفتح الآية : 16 ]
(( فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَار )) : الجوس هو التردد ذهاباً و إياباً. ونحن في العاميّة نقول: ( حاس الدّار) إذا أكثر من الذهاب والإياب حتى ظهرت آثار ذلك في أرجاء البيت في صورةٍ من الفوضى. وكذلك عندما نضع البصل في الزيت، ونضعهما على النّارِ، ونكثر من التحريك والتقليب، نقول ( إننا نحوس البصل). وإذا وقع إنسانٌ في مشكلة جعلته يضطرب فلا يعرف لحلها وجهاً نقول: ( وقع في حوسه). والحوس والجوس بمعنى واحد.
والعقبة هنا غير واضحة المعالم كالمرة الثانية، ولكنك تستطيع أنْ تتصورها عندما يجوس قوم أولوا بأسٍ شديد ليس في قلوبهم إيمانٌ ورحمة.
بدأ الفساد بانقسام الدولة بعد موت سليمان عليه السّلام عام (935ق.م )، ثم كان جوس المصريين، فالأشوريّين، فالكلدانيين. وبارتفاع وتيرة الفساد ارتفعت وتيرة الجوس وخطورته، حتى بلغ الذروة بتدمير الدولة الشمالية ( إسرائيل) عام ( 722ق. م ). وبذلك تمّ قتل وسبي عشرة أسباط من الأسباط الاثني عشر. وبقي الجوس في الدولة الجنوبية (يهوذا) على الرغم من بعض الإصلاحات، وأبرزها إصلاحات (يوشيا) عام ( 621ق. م ) [ تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، د. فيليب حتي، ترجمة د. جورج حداد، دار الثقافة، بيروت، ط3، ج1، ص 218.]، إلى أن تمّ تدميرها من قبل الكلدانيّين عام (586ق. م ). وبذلك تلاشت آثار المملكة التي أسسها داود وسليمان عليهما السّلام.
(( عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ )) الدّارس للتاريخ يلاحظ:
1- أن الجوس قام به المصريّون، والاشوريّون، و الكلدانيّون (البابليّون) وبذلك نلحظ دقة التعبير القرآنى: (( عِبَادًا )) هكذا بالتنكير.
2- كانت الأمم الثلاث قوية وشديدة البأس، وتجد ذلك واضحاً فى الروايات التاريخيّة.
3- دخلت جيوش هذه الأمم- خلال الديار- من غير تدمير لكيان المجتمع وأبقوا الملوك فى عروشهم، حتى كان الملك (هوشع)، الملك التاسع عشر على مملكة (إسرائيل)، فزالت فى عهده عام (722 ق.م). أما (يهوذا) فزالت عام (586) فى عهد الملك (صدقيا) الملك التاسع عشر على مملكة (يهوذا). وبذلك انتهى الجوس. من هنا نلحظ دقة التعبير القرآني: (( خِلَالَ الدِّيَارِ )) .
4- تصاعدت وتيرة الفساد و تصاعد معه الجوس حتى كان الأوج عام (722 ق.م)، و عام (586 ق.م). من هنا ندرك دقة التعبير القرآنى: (( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ..... وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا )) .
(( وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا )) : لا بُدّ أن يقع و ينفذ.
بعد زوال المملكتين انتهت المرة الأولى، لكن جزءاً من اليهود عادوا إلى الأرض المباركة على مراحل، و بدأت عودتهم فى عهد (كورش) الفارسى، الذى حرص على أن لا يقيم لهم دولة. ثم كان الاحتلال اليونانى عام (333 ق.م)، ثم الأنباط، فالرومان الذين استمر احتلالهم للأرض المباركة حتى العام (636 م)، أى عام فتح عمر بن الخطاب للقدس.
قام اليهود العائدون من الشتات بمحاولات عدّة لتحقيق الاستقلال، أو الحصول على حكم ذاتى. وقد نجحت بعض هذه المحاولات لفترة محدودة حت كان السبى على يد (تيطس) الرومانى سنة (70 م)، ثم السبى الأخير عام (135م). و قد التبس الأمر على البعض، فذهبوا إلى القول إنّ المرة الثانية كانت عام (70م) و (135م)، لأن الهيكل الأول دُمّر عام (586 ق.م)، و دُمّر الهيكل الثانى عام (70م)، و مُحيت أثاره تماماً عام (135م).
على أيّة حال يمكننا بالرجوع إلى النص القرآنى أن نلحظ أن هناك تعريفاً بالمرة الثانية يرفع كل التباس، و إليك بيان ذلك:
(( ثُمَّ )) : و هى للتراخى فى الزمن: سنة..... عشـــرات السـنين .... آلاف ...... لا ندرى.
(( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ )) : تعاد الدّولة لليهود على من أزال الدولة الأولى. ولم يحصل هذا في التاريخ إلا عام ( 1948م )، إذ ردت الكرة لليهود على من أزال الدولة الأولى. والذين جاسوا في المرة الأولى هم : المصريون والأشوريّون، والكلدانيّون. أمّا التدمير الكامل فكان بين الأشوريّين والكلدانيّين. وأحب هنا أن يعلم القارئ أنّ الأشوريّين والكلدانيّين هم قبائل عربية هاجرت من الجزيرة العربية إلى منطقة الفرات، ثم انساحت في البلاد، حتى سيطروا على ما يسمى اليوم العراق وسوريا الطبيعيّة. وقد أسلم معظم هؤلاء وأصبحوا من العرب المسلمين. وهذا ما حصل لأهل مصر أيضاً. أمّا اليونان والرومان فلم يكن لهم يد في زوال المملكة ولم تُردّ الكرة لليهود عليهم. ولم يكن اليهود في يومٍ من الأيام أكثر نفيراً. أمّا نجاح اليهود في الحصول على شيء من الاستقلال في عهد اليوناني والروماني، فلا يمكن اعتباره ردّاً للكرة لأنّ اليونان والرومان لا علاقة لهم بالجوس الأول، ثم إنّ اليهود استطاعوا أنْ يحصلوا فقط على ما يسمى اليوم ( الحكم الذّاتي ).
(( وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ)) لاحظ إيحاءات: (( أَمْدَدْنَاكُم )) ، ثم انظر واقع ( إسرائيل) قبل قيامها وبعد قيامها إلى يومنا هذا؛ فقد قامت واستمرّت بدعمٍ ماليٍّ هائل من قبل الغرب. ولا أظن أنني بحاجة إلى التفصيل في هذه المسألة التي يعرفها الجميع.
(( وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ )) : قوله تعالى (( وَبَنِينَ )) لا يعني أنّهم لم يُمدّوا بالبنات، إذ لا ضرورة للكلام عن البنات في الوقت الذي نتكلم فيه عن ردّ الكرة وقيام الدولة، وحاجة ذلك إلى الجيوش الشابّة المقاتلة. قرأتُ في كتاب ( ضحايا المحرقة يتهمون) والذي قام على تأليفه مجموعة من الحاخامات اليهود، أنّ حكومة هتلر عرضت على الوكالة اليهودية أن تدفع الوكالة خمسين ألف دولار، مقابل إطلاق سراح ثلاثين ألف يهودى، فرفضت الوكالة هذا العرض مع علمها بأنهم سيُقتلون. و يرى مؤلفوا الكتاب أن سبب الرفض هو أنّ الثلاثين ألفاً هم من النساء، والأطفال، والشيوخ، الذين لا يصلحون للقتال في فلسطين. فقد كانت الوكالة اليهوديّة تحرص على تهجير العناصر الشابّة القادرة على حمل السلاح، أي ( البنين).
(( وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا )) : والنفير هم الذين ينفرون إلى أرض المعركة للقتال. ومع أنّ العرب كانوا أكثر عدداً عام ( 1948م )، إلا أنّ اليهود كانوا أكثر نفيراً؛ ففي الوقت الذي حشد فيه العرب (20) ألفاً، حشد اليهود أكثر من ثلاثة أضعاف( 67 ) ألفاً.
هناك ستّة عناصر لقيام الدولة الثانية ( الآخرة ) نجدها في القرآن الكريم، تُدهش وأنت تراها بعينها عناصر قيام دولة إسرائيل عام 1948م :
1ــ تعاد الكرة والدولة لليهود على من أزال الدولة الأولى. وهذا لم يحصل في التاريخ إلا عام 1948م كما أسلفنا.
2ــ تُمدّ إسرائيل بالمال الذي يساعدها في قيامها واستمرارها، ويظهر ذلك جليّاً بشكل لا نجد له مثيلاً في دولة غير إسرائيل.
3ــ تمدّ إسرائيل بالعناصر الشابّة القادرة على بناء الدولة. ويتجلى ذلك بالهجرات التي سبقت قيام إسرائيل والتي استمرت حتى يومنا هذا.
4ــ عند قيام الدولة تكون أعداد الجيوش التي تعمل على قيامها أكبر من أعداد الجيوش المعادية. وقد ظهر ذلك جليّاً عام 1948م ، على الرغم من أنّ أعداد العرب تتفوّق كثيراً على أعداد اليهود.
5ــ يُجمع اليهود من الشتات لتحقيق وعد الأخرة. وهذا ظاهر للجميع. [ يأتى بيان ذلك بعد أسطر].
6- عندما يُجمع اليهود من الشتات يكونون قد انتموا إلى أصولٍ شتّى، على خلاف المرة الأولى فقد كانوا جميعاً ينتمون إلى أصل واحد و هو إسرائيل عليه السلام . أما اليوم فإننا نجد أنّ الشعب الإسرائيلى ينتمى إلى (70) قومية أو أكثر.
انظر إلى هذه العناصر الستّة ثم قل لى : هل هناك عنصر سابع يمكن إضافته ؟! وهل هناك عنصر زائد يمكن إسقاطه ؟! وبذلك يكون التعريف جامعاً كما يقول أهل الأصول.

لم يرد تعبير: (( وَعْدُ الْآخِرَةِ )) فى القرآن الكريم إلا فى سورة الإسراء، فى الآية (7)، والآية (104). و الحديث فى الآيتين عن بنى إسرائيل: (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ )) ، (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا(104) )) فى بداية سورة الإسراء تمّ تفصيل الحديث فى المرتين، و فى نهايات سورة الإسراء تمّ الإجمال فى الحديث عن المرتين (( فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا(103)وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا(104) )) أى قلنا من بعد غرق فرعون لبنى إسرائيل: اسكنوا الأرض المباركة، وبذلك يتحقق وعد الأولى. وقد كان القضاء بحصول المرتين بعد خروج بنى إسرائيل من مصر. (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) . وهذا يعنى أن اليهود بين (الأولى) و (الأخرة) يكونون فى الشتات، بدليل قوله تعالى: (( جِئْنَا بِكُمْ )) ومن هذه الأية تم استنباط العنصر الخامس والسادس: (نجمعكم من الشتات فى حالة كونكم منتمين إلى أصول شتّى). و هذا معنى: (( جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) . والله أعلم. أما قولنا إنّ الأرض هي الأرض المباركة، فيظهر ذلك جليّاً في الآيتين: (136'137) من سورة الأعراف: (( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ(136)وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا...)) من هنا يمكن أن نوظف التاريخ لتحديد الأرض المباركة شرقاً وغرباً. و المعروف أن بنى إسرائيل سكنوا واستوطنوا فلسطين والتى لم تكن فى الصورة الجغرافية المعاصرة، إلا المشارق والمغارب. وقد بوركت فلسطين فى القرآن الكريم خمس مرات، وقُدّست مرة واحدة:
1- (( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا )) الأعراف: 137 ]
2- (( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ )) [ الإسراء: 1 ]
3- (( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71) )) [ الإنبياء: 71 ]
4- (( تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا )) [ الإنبياء: 81 ]
5- (( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً )) [ سبأ :18 ]
6- (( يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ )) [ الملئدة: 21 ]
تتحدث الآية الأولى عن الأرض التى سكنها بنو إسرائيل بعد إخراجهم من مصر و غرق فرعون. وهى الأرض المقدسة التى التى وعدوا أن يدخلوها فى الأية السادسة.
أمّا المسجد الأقصى فمعلومٌ أنّه فى فلسطين. أمّا الآية الثالثة فتتحدث عن نجاة إبراهيم و لوط (عليهما السّلام) إلى الأرض المباركة. ويتفق أهل التاريخ على القول بأن لوطاً عليه السّلام كان فى منطقة (أريحا)، فى حين سكن إبراهيم عليه السّلام (الخليل) ودفن فيها. أما الآية الرابعة فتتحدث عن سليمان عليه السّلام ، و معلوم أن مملكته كانت فى فلسطين، وعاصمتها القدس. أما الآية الخامسة فتتحدث عن العلاقة بين (سبأ) و ( مملكة سليمان) عليه السّلام ، ومعلوم أنّ مملكته عليه السّلام تعدّت في اتساعها حدود فلسطين المعاصرة. أمّا فلسطين فقد كانت الجزء الأساسي والرئيسي في مملكته عليه السّلام .
(( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )) وَعْظٌ يحمل معنى التهديد.
(( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ )) : إذا تحقق وعد الإفسادة الثانية، وحصل من اليهود العلو و الطغيان، عندها ستكون العقوبة:
(( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ )) ولم يقل ( ليسوؤن وجوهكم). و فى الأولى كان جواب (إذا) هو (بعثنا). فأين جواب (إذا) فى الثانية؟ أقول : هو أيضاً (بعثنا) و المعنى : فإذا جاء وعد الثانية بعثناهم لتحقيق ثلاثة أمور : ليسوءوا ... وليدخلوا ... وليتبروا.
(( ِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ )) أى يلحقوا العار بكم، أو يُسيئوا إليكم إساءة تظهر آثارها فى وجوهكم . وقد يكون المقصود تدمير صورتهم التى صنعوها عبر الإعلام المزيّف، بحيث تتجلى صورتهم الحقيقيّـة، ويلحقهم العار، وتنكشف عوراتهم أمام الأمم التى خُدعت بهم سنين طويلة. وهذا يكون بفعل العباد الذين يبعثهم الله لتحقيق وعد الآخرة.
(( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ )) المقصود المسجد الأقصى، و الذى بنى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وفق ما جاء فى الحديث الصحيح.
(( كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) تكون نهاية كل مرة بدخول المسجد الأقصى، و سبق أن بيّنّا أنّ نهاية المرة الأولى كانت عام (586 ق.م)، إذ دمّرت دولة يهوذا. وسقطت القدس فى أيدى الكلدانيين. أما اليوم فقد اتخذ الإسرائيليون القدس عاصمة لهم، ولا شكّ أن سقوط العاصمة، والتى هى رمز الصّراع، لهو أعظم حدثٍ فى المرة الثانية، والتى سمّاها الله (الآخرة)، مما يشير من طرفٍ خفىًّ إلى أنْ لا ثالثة بعد الأخيرة. وهذا مما يعزز قولنا: إنّ هذه هى الثانية إذ لا ثالثة، وقد سبقت الأولى.
(( وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )) : يدمّرون، ويهلكون، ويُفتّتُونَ كل ما يسيطرون عليه، إهلاكاً، و تدميراً، وتفتيتاً. وذلك يوحى بأن المقاومة ستكون شديدة تؤدى إلى رد فعل أشد. و (ما) تدلّ على العموم وهى بمعنى (كل) و الضمير فى (عَلَوا) يرجع إلى أعداء بنى إسرائيل. ويجب أن لا ننسى لحظة أنْ المُخَاطَب فى هذه النّبوءة هم اليهود: (( لَتُفْسِدُنَّ ... وَلَتَعْلُنَّ ... عَلَيْكُمْ ... رَدَدْنَا لَكُمْ ... وَأَمْدَدْنَاكُمْ ... وَجَعَلْنَاكُمْ ... أَحْسَنتُمْ ... أَسَأْتُمْ ... وُجُوهَكُمْ ... يَرْحَمَكُمْ ... عُدْتُمْ ... )) لذلك يجب أن نَصْرِف الَضّمائر التالية إلى أعداء اليهود فى المرتين : (( فَجَاسُوا ... عَلَيْهِمْ ... لِيَسُوءُوا ... وَلِيَدْخُلُوا ... دَخَلُوهُ ... وَلِيُتَبِّرُوا ... عَلَوْا ... )) .
هل يكون التدمير فى كل الأرض المباركة، أم فى جزء منها؟ النّص لا يبت فى احتمالٍ من الاحتمالين. ولكن يلاحظ أنّ الحديث عن التّتبير جاء بعد الحديث عن دخول المسجد الأقصى، مما يجعلنا نتوقّع أن يكون التّدمير فى محيط مدينة القدس. وتَجْدر الإشارة هنا إلى أنّ (الواو) لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً : ( ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد وليتّبـروا... ) ولكن الترتيب يرهص بذلك. ويمكن تصوّر تراخى الدخول عن إساءة الوجه أمّا الدخول و التتبير؛ فقد يسبق التتبير الدخول، وقد يتلازمان، وقد يأتى التتبير بعد الدخول وهذا بعيد إذا كان من سَيَدْخُل هم أهل الإيمان.
(( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ )) : دعوة إلى التوبة و الرجوع إلى الله.
(( وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا )) : وإن عدتم يا بنى إسرائيل الى الفساد عدنا إلى العقوبة ترغيب و ترهيب يناسبان المقام. فهل يتعظ اليهود بعد هذا الحد؟ المتدبّر للقرآن الكريم يدرك أنّ فئة منهم ستبقى تسعى بالفساد أينما حلوا. قال سبحانه و تعالى فى سورة الأعراف : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ )) [ الأية: 167 ]. وقال سبحانه فى سورة المائدة : (( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) [الآية: 64] . وهذه عقوبات دنيويّة تحل بهم لفسادهم.
(( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ..)) فهي إذن بشرى قرآنية.
(( وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) : فهي بشرى للمؤمنين السّالكين طريق الحق.
(( وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) )) هي بشرى للمؤمنين وإنذار لبني إسرائيل الذين يؤمنون بالله والرسل بوجه من الوجوه، ولكنهم لا يؤمنون بالآخرة؛ فالعهد القديم يزيد عن الألف صفحة، ومع ذلك لا تجد فيه نصّاً صريحاً بذكر اليوم الآخر.
ختمت النبوءة بالحديث عن القرآن الكريم، فهو يهدي، ويبشّر، وينذر. وهي الخاتمة نفسها التي ختمت بها النبوءة المجملة في الآية (104) : (( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا )) [سورة الإسراء، الآية: 105]. وجاء في التعقيب على النّبوءة المفصّلة: (( وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا )) [الإسراء، الآية: 11] وجاء في التعقيب عليها مجملة: (( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا(107)وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا(108)وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا )) [الإسراء، الآيات: من 106ــ 109] .
هل يقصد بهذه الآيات الحديث عن بعض ردود الفعل على الحدث في حينه، وانعكاسه على أهل الكتاب إيجابياً وإدراكهم أنّ الإسلام حق، واندهاشهم وانبهارهم لحصول النبوءة وفق ما أخبر القرآن الكريم: (( سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا )) : نعم لا بد لوعد الله أن يتحقق. وانظر إلى قوله تعالى (( وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا )) وقوله في الثانية: (( إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا )) . ثم تدبّر خاتمة سورة الإسراء من جهة المعنى والموسيقى: (( وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا(111) )) .
نقرأ في السيرة النبوية الشريفة أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم أخرج يهود بني قينقاع من المدينة، ثم أخرج يهود بني النّضير، فنزلت سورة (الحشر) والتي تستهل بالتسبيح كسورة الإسراء: (( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1)هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ )) قال المفسرون: ( لأول جمعٍ لهم في بلاد الشّام ). والسؤال: ما الحكمة من جمعهم في بلاد الشّام؟ ولماذا اعتبر هذا الإخراج أول الجمع؟ وماذا سيحصل في آخر الجمع؟
ورد فى تفسير النّسفي أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم قال عندما أخرج بني النّضير: " امضوا لأول الحشر وإنّا على الأثر" فهل يشير ذلك إلى وعد الآخرة (( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )) ؟
فدخول بنى إسرائيل الأرض المباركة بعد موسى عليه السّلام كان مقدمة لتحقق وعد الأولى.
ودخولهم بعد أن أخرجهم الرسول صلى الله عليه و سلم كان أيضاً مقدمة لتحقق وعد الآخرة. أما التراخي في الزمن فلا يعني شيئا، لأن المقصود أنّ هذا مقدمة لحصول الوعد الذى نزل فى سورة الإسراء. فهو مجرد بداية رمزيّة. وأخرج النسفى أن قسماً من بنى النضير سكنوا (أريحا). أقول: لا يكون الجمع فى بدايته حشراً، وإن كان يصح أنْ نقول أول الحشر، لأن الحشر يعنى الجمع الذى يكون معه ضيق فى المكان، والضيق النفسى. وهذا يرهص بأن وعد الأخرة يتحقق عندما يصبح جمع بنى إسرائيل فى الأرض المباركة حشراً.


Tidak ada komentar:

Posting Komentar